إن
تربية الإنسان نشاط قديم يقوم به الأفراد والمجتمعات منذ أن وجدت, وستظل تقوم به
إلى ما شاء الله, ويقوم هذا النشاط عادةً وفق تصورات مختلفة حول الإنسان الذي يربي
وعن نوع الحياة التي يُربى من أجلها, وقد عُرّف الإنسان بأنه كائن اجتماعي بطبعه,
ومن الطبيعي أن يقوم كل مجتمع بنقل قيمه إلى الأجيال المتعاقبة عن طريق وسائل
متنوعة مثل: (التلفزيون, المذياع), والمنهج... وغيرها.
ومن
هنا كان من الأهمية البالغة أن تبذل المقررات الدراسية عنايةً خاصة بالقيم
التربوية لإعداد الأجيال وبناء شخصية المتعلمين وسلوكهم على أساس راسخ يستجيب
للغايات التربوية المنشودة.
ورغم
أن التلاميذ يتعلّمون قدراً كبيراً من الحقائق والمعلومات والمعارف حيث تكون
الأفكار والغايات والقيم غير معلنةٍ صراحة, نجد أن كثيراً من الباحثين دأبوا على
دراسة أثر المنهج المدرسي الرسمي في تحقيق أهداف العملية التربوية والتعليمية
بوصفه أحد أركانها الأساسية ناسِين ما يعرف بالمنهج الخفي (curriculum
hidden) الذي كثيراً ما يكون الفيصل في تحقيق هذه الأهداف.
والمنهج
الخفي ليس معزولاً عن أي شيء في المدرسة, ولا عن باقي أنواع المناهج وتصنيفاتها
بجوانبها المتعددة, ويمكن التعرّف عليه بفحص المكونات المختلفة للموقف التعليمي
والتي تتحدد في المربّي, ومحتوى الكتب, والمقررات الدراسية, والتلميذ إلى جانب
البيئة التعليمية الشاملة.
فالمنهج
التربوي الذي يُعمل به في مختلف المؤسسات التربوية، له عدة مكوِّنات وهي الأهداف,
المحتوى، الأنشطة، الوسائل, الطرائق, والتقويم.
فإذا
كانت الأهداف محددة واضحة فسيظهر أثرها بشكل حاسم في المحتوى، ثم في الأنشطة، ومن
خلال الطرائق والوسائل ويكون التقويم هو الحَكَم في تحقيق الأهداف.
وإذا
كان الهدف تغيراً سلوكياً إيجابياً قابلاً للقياس يظهر في شخصية التلميذ فإن ما
يفاجئ الإدارة التربوية أو المربي أو المجتمع، أن تظهر سلوكيات في شخصيات هؤلاء
التلاميذ لم تكن ملحوظة في الأهداف، بل قد تتعارض مع تلك الأهداف...وهذا يستدعي
التفكير: كيف وُجدتْ هذه السلوكيات؟ وما العوامل التي أدّت إليها؟!
ومن
هذه السلوكيات التي نتحدث عنها مثلاً:
-
انتشار التدخين بين التلاميذ, مع أن الكتب المدرسية تحذر من ذلك.
-
المفاهيم الغذائية الخاطئة، مع أن المناهج تبيِّن المفاهيم الغذائية الصحيحة.
وفي
هذه الأمثلة وغيرها، لا نتحدث عن حالة شاذة أو حالات فرديِّة إنما نتحدث عن ظاهرة
اجتماعية.
هذه الحالات استدعت الدارسين
أن يفرِّقوا بين نوعين من المناهج:
النوع الأول: هو النوع المعروف الذي يتبادر إلى
الذهن لدى ذكر كلمة المنهج، وهو المنهج الرسمي,
أما النوع الثاني: هو المنهج الخفي: وهو الذي سنحاول أن
نلقي الضوء حول بعض الحقائق العلمية المتعلقة به: وتعود جذور الإشارة إلى هذا
المنهج الخفي إلى عهد أفلاطون, ولكن إظهاره للدراسة، وإعطاءه اسماً مستقلاً، إنما
يعود إلى أواخر الستينيات من القرن العشرين على يد فريدنبرغ ثم فيليب جاكسون
(1968).
وللمنهج الخفي عدة مسميات منها:
-
المنهج غير المقصود Unintended Curriculum
-
المنهج غير النظامي Informal Curriculum
-
المنهج المغطى Covert
Curriculum
-
المنهج الدفين Latent
Curriculum
وهذه
المسميات إن اختلفت في ظاهرها فإنها تحمل في مضمونها معنىً واحداً هو المنهج الخفي
Hidden
Curriculum.
أما من حيث الاصطلاح، فإن مفهوم المنهج الخفي يختلف باختلاف الباحثين:
يرى
فليب جاكسون (Philip
Jackson, 1970) الذي يعتبره المربون الأمريكيون
-أب المنهج الخفي- بأن المنهج الخفي: «يقصد به كل النواتج الثانوية للعملية
التربوية، أو كل النواتج الناجمة عن المنهج الصريح ».
أما جولس هنري (Jules Henry,
1973) فيذهب إلى أن المنهج الخفي: «يتمثل في العلاقة التي تربط التلميذ
بمعلمه، وكافة القوانين التي تنظم تلك العلاقة ».
ويرى (سامح محافظة,1995) بأن المنهج الخفي «
يقصد به مجموعة القيم والمعايير الدينية والاجتماعية وكافة المعارف والمهارات
السلوكية التي يُدرَّسها المعلمون لتلاميذهم بصورة ضمنية».
ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين المنهجين نجد أن:
المنهج
المدرسي الصريح
|
المنهج
الخفي
|
1)
يتم إعداده
مسبقاً من قبل المعنيين بوزارات التربية والتعليم.
|
- يمكن
إعداده مسبقاً، وممكن أن يكون وقتياً وفقاً لطبيعة المواقف التعليمية التي
يصادفها المتعلم.
|
2)
نواتجه
دائماً إيجابية.
|
- يمكن أن
تكون نواتجه إيجابية أو سلبية أو حيادية.
|
3)
أهدافه
إلزامية التحقيق من قبل القائمين على العملية التعليمية والتربوية في المدرسة.
|
- أهدافه غير
إلزامية التحقيق بل اختيارية، لكن يجب عليهم تعزيز أهدافه الإيجابية وتلافي
السلبية.
|
4)
يتميز بأنه
منهج ثابت لا يتغير بتغير المواقف التعليمية.
|
- منهج يتغير
بتغير المواقف التعليمية.
|
5)
يدرك نواتجه
المتعلمون.
|
- قد لا يدرك
نواتجه المتعلمين.
|
ولو
ألقينا نظر سريعة إلى بعض الدراسات التي تناولت المنهج الخفي على الرغم من قلتها
نجد أن:
*دراسة
(Tarshis,2008)
وجدت أن المنهج الخفي يسهم في عملية التنشئة الاجتماعية للتلاميذ إذ بينت أن
المنهج الخفي يؤثر في قيم ومعتقدات التلاميذ بشكل غير مباشر على اعتبار أن هذه
القيم تبقى فترة طويلة لدى التلميذ.
*دراسة
(Deutsch,2004)
وجدت أن المنهج الخفي يساعد التلاميذ على تعلّم العديد من القيم بشكل غير مباشر
وعلى تحمل المسؤولية.
*ودراسة
(يوسف, 1989) التي توصلت إلى أن هناك العديد من السلوكيات يكتسبها التلاميذ في
الصف الثالث من التعليم الأساسي تتمثل في بعض القيم والاتجاهات الفكرية والسلوكية
المرغوب فيها بشكل غير مباشر من البيئة المدرسية بما تشمله من كتب وغير ذلك.
وللمنهج الخفي مصادر عديدة:
1- مصادر مدرسية وتتمثل في:
أ- المربي: إن فلسفة المربي الكامنة من التعليم،
هي عنصر غير معلن في المناهج الخفيّة, هذه الفلسفة تؤثر في الطريقة التي ينظر بها
إلى المناهج الدراسية المقررة. والمربي مصدر أساسي للمنهج الخفي من خلال خصائصه
الشخصية والعلمية والمهنية وما تتركه من آثار إيجابية أو سلبية في المتعلمين.
ب- المنهج المدرسي(الرسمي): من حيث مدى مناسبة محتواه
وتلبيته لاحتياجات التلاميذ المختلفة، ومن حيث مناسبته لقدراتهم وميولهم.
ج- طرائق التدريس: من حيث تنوعها وحداثتها ومناسبتها
للتلاميذ.
د- وسائل وتقنيات التعليم: من حيث تعددها وشمولها
ومناسبتها لمستويات التلاميذ وللمواقف التعليمية والتعلّمية.
هـ- التقويم: من حيث تنوعه وشموله.
و- المناخ المدرسي: من حيث مدى توفيره للظروف الاجتماعية والنفسية
التي تمكّن التلاميذ من التكيّف مع مكونات الموقف التعليمي.
وهناك
طبيعة النظامين الاجتماعي والثقافي اللذين يسودان المجتمع، علاوةً على وسائل
الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، إضافةً إلى شبكة المعلومات العالمية.
2- مصادر غير مدرسية
(مجتمعية):
وتتمثل
في العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية ودور المربي في بث تلك
القيم في نفوس الناشئة.
دور المنهج الخفي في تنمية القيم:
المنهج
الخفي صورة للقيم الشائعة في المجتمع, وهذا يعني أن المدرسة ليست مكاناً للتعليم
الأكاديمي المحض بل إنها مكان لنقل القيم للتلاميذ.
وبالتالي
هو عنصر فعّال وأساسي في إكساب التلميذ القيم المختلفة السلبية منها والإيجابية
حيث إنه يقدم هذه القيم بأسلوب ضمني وغير صريح من خلال تعامل تلميذ المدرسة مع
أقرانه والمعلم, ومن هنا عُدَّ سيفاً ذا حدين.
وهنا
لابد من الإشارة إلى أن المنهج الخفي له نتائج إيجابية, فله دور بارز ومهم وجوهري
في تعزيز المنظومة القيمية المجتمعية كالانتماء والوطنية والتعاون وغيرها من القيم
النبيلة, كما إنه يؤدي دوراً بارزاً في إكساب التلاميذ مجموعة من المهارات
والاتجاهات الإيجابية التي تمكنهم من التفاعل الاجتماعي ويكون لها مردود إيجابي
على صحتهم النفسية وأخرى سلبية.
وهو
يدعم نسيج القيم والمعاني التي من خلالها يواصل الأفراد كل حياتهم في جميع النواحي
الاقتصادية والاجتماعية.
لكن
الوجه الآخر للمنهج الخفي يتجلى في اكتساب التلميذ قيماً متناقضة ومتزعزعة، مما
يسبب له صراعاً داخلياً لاختلاف القول عن الفعل من خلال المواقف اليومية, وقد أكدت
ذلك دراسات عديدة في التربية, حيث خلصت إلى أن المنهج الخفي يفرز للمجتمع الشخصيات
الآتية: المشاغب, والعدواني, والمتعالي, والمدعي, وضعيف الشخصية.
بالإضافة
إلى العديد من القيم السلبية التي يمكن أن يكتسبها التلميذ من خلال المنهج الخفي:
ومنها قيمة التسويف أو التأجيل, وهي قيمة سلبية يكتسبها التلميذ من المدرسة وذلك
من انتظاره الطويل لدوره في المدرسة مثلاً.
وقيمة
إهمال الوقت وإهمال الرأي الآخر وهي قيمة سلبية يكتسبها التلميذ حين يُفاجَأ
بتوزيع الجدول الدراسي أو تحديد وقت الرحلة.
وقيمة
المواجهة والصراع وهي قيمة سلبية يكتسبها التلميذ من وضع المقاعد في الصف.
وهذا
ما يفسّر الظواهر التالية:
-
انتشار التدين، والمعالنة به مع أن المنهج الرسمي لا يشجع على ذلك.
-
نزعات التعصّب للبلدة أو العشيرة أو الطائفة... مع أن المنهج الرسمي لا يوجِّه نحو
هذا التعصّب.
-
المفاهيم الغذائية الخاطئة، مع أن المناهج الرسمية تبيِّن المفاهيم الصحيحة.
وغيرها من المظاهر.
وبما
أن المنهج الخفي وسيلة لاكتساب القيم الضمنية الخفيّة في المدارس رغم عدم اهتمام
المعلمين والمربين بها, وبما أن المنهج الخفي هو جملة القيم والتوقعات غير
المتضمنة في المنهج الرسمي، ولكن التلاميذ يتعلمونها نتيجة معايشتهم ثقافة
المدرسة, لذا ينبغي على المربي أن يأخذ ذلك بالحسبان ما يأتي:
-
بناء منظومة من القيم الإيجابية ليعمل على إكسابها لتلاميذه من خلال توظيف المنهج
الخفي.
-
تنبيه المربين إلى أن أقوالهم وسلوكياتهم وأفكارهم تفرز مجموعة من الخبرات الخفيّة
التي قد تؤثر في التلاميذ إما إيجاباً أو سلباً.
أهمية المنهج الخفي في العملية التعليمية:
-
يلعب المنهج الخفي دوراً هاماً ورئيساً في العملية التربوية والتعليمية، قد يفوق
بكثير ما يلعبه المنهج الرسمي من دور بارز في ذات العملية، ويتجلى دور المنهج
الخفي ليس فقط فيما يقدمه للتلاميذ من خبرات إضافية إثرائية في المجال المعرفي
فحسب، بل فيما يقدمه لهم كذلك من خبرات تربوية متعددة ذات طابع ديني وفكري
واجتماعي، وأخلاقي وسلوكي.
-
وتزداد أهمية المنهج الخفي في العملية التعليمية في عالمنا العربي اليوم أكثر من
أي وقت مضى، ذلك أن التأثيرات السلبية للعولمة وتحدياتها المختلفة في المجالات
الفكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتقنية, تتطلب المزيد والمزيد من العناية
والاهتمام بالمنهج الخفي في مدارسنا، ومحاولة تفعيله بشكل مؤثر وواضح، خاصةً إذا
عرفنا بأن واقع مناهجنا الرسمية المطبقة حالياً في مؤسسات التعليم العام في العديد
من مجتمعاتنا العربية باتت لا تحقق طموحاتنا التربوية، باعتبارها أضحت غير كافية
مثلاً على مواجهة تلك التحديات والتأثيرات السلبية للعولمة على أبنائنا، كونها لا
زالت – أي المناهج الرسمية – تقدم لهم محتوى معرفياً ضخماً، والذي غالباً لا يمت
لواقعهم بصلة.
-
ومن هنا تأتي أهمية تفعيل المنهج الخفي كونه يُعنى بالمطالب التعليمية والتربوية
المعاصرة لأبنائنا، والتي من أبرزها على سبيل المثال: تنمية التفكير الناقد
والإبداعي لديهم، وتعزيز المواطنة الصالحة، وتمكينهم من فهم التكنولوجيا المعاصرة،
وتوظيفها لخدمة اتجاهات التنمية في مجتمعاتهم.
-
ومن الوسائل التي تساعد المربي على تطبيق المنهج الخفي داخل الصف الدراسي تعزيز
الدافعية لدى التلاميذ لتحقيق الخطط التي يسعون لتحقيقها.
ولكي
تكون هذه التطبيقات فعالة لابد من أن:
-
تؤكد هذه المعرفة أهمية إعداد المربي ليكون صالحاً في نفسه، مستقيم السلوك،
متفاعلاً مع الأهداف التربوية والعملية التربوية.
-
تكون المناهج بأهدافها ومحتواها وأنشطتها وتقويمها متناسقة العناصر من جهة،
ومتوافقة مع البيئة وحاجات المجتمع من جهة أخرى.
- يُراعى في الأبنية المدرسية وتجهيزاتها أن تكون
في حال مناسبة (قدر المستطاع) وأن يكون ذلك متقاربَ المستوى بين مدرسة وأخرى.
-
يكون التفاعل الإيجابي الودي قائماً بين المربين والتلاميذ، وبين المربين وأهل
التلاميذ للتعرّف على الأوضاع الاجتماعية والبيئية للتلاميذ، والتعاون في حل
المشكلات.
-
يكون الاهتمام بالقيم الروحية والأخلاقية وبالتربية على مهارات التفكير الناقد
أكثر من الاهتمام بتقرير المحتوى.
-
يفرِّق القائمون على التربية بين ضغوط الإدارة التربوية، وضغوط أولياء الأمور من
جهة، وبين التعرّف على حقيقة التطوير التربوي المطلوب.
-
أن تؤخذ آراء نخبة من المربين لدى رسم المناهج.
مزايا المنهج الخفي ومخاطره:
إن
للمنهج الخفي إيجابيات وسلبيات بناءً على نوعية المعارف والسلوكيات التي يكتسبها
التلميذ من الدراسة دون تخطيط, وآثاره كبيرة على التلميذ وخاصة في المراحل الأولى
من التعلّم. ومن
أولاً: مزايا المنهج الخفي :
-
يسهّل عمل الجهاز التربوي ويساعد على إرساء النظام, وينمي من خلاله معظم المواقف
والقيم السليمة التي ينادي بها المجتمع.
-
يسهم في تحقيق التربية الخلقية للمتعلمين عن طريق التأسيس الصالح لمجتمع الرفاق أو
الكبار, إذ تُعَدّ القدوة والملاحظة غير المقصودة من أبرز طرق التعلّم في المنهج
الخفي, ومن هنا تبرز أهمية دور المعلم كقدوة حسنة لتلاميذه في جميع جوانب الشخصية.
-
يتعلّم التلاميذ الكثير من السلوكيات الإيجابية التي قد لا تكون ضمن المنهج الرسمي
مثل احترام الأنظمة واحترام الوقت والمحافظة على الأملاك العامة والنظام والمهارات
الاجتماعية عن طريق المنهج الخفي.
-
يتيح المنهج الخفي لمعظم أفراد المجتمع الاستفادة منه وزيادة التمسك بالعقيدة
والقيم والمبادئ ولاسيما في ضوء ظروف تحول دون اطلاع أبناء الأمة على المناهج
الرسمية.
-
يكسب المتعلم سمة الاجتماعية والألفة من خلال وجوده في المدرسة.
-
يكسب المتعلم احترام الأنظمة والقوانين والتعليمات والمحافظة على الأملاك العامة,
وكيفية بناء العلاقات مع الآخرين, والترتيب والنظام...إلخ.
وهكذا
نجد فإن الرسالة الأساسية للمنهج الخفي هي مساعدة المدرسة ليكون غرضها مساعدة
المتعلمين, بحيث يمكن أن يتلاءموا مع المجتمع, إذ يتولى المنهج الخفي عملية
التطبيع الاجتماعي للمتعلم الذي تتجاهله المناهج الرسمية, لأنّه يمثل أبرز أهداف
التلاميذ الخاصة التي تؤمن اندماجهم في الفرص التعليمية المتاحة لهم من قبل
المدرسة.
ثانياً: من مخاطر المنهج الخفي:
-
قتل الإبداع لدى المتعلمين ومن أمثلة ذلك ضعف المعلم في مادته العلمية الأمر الذي
يقوده إلى نقل الكتاب حرفياً وتلقينه للتلاميذ وهذا العمل يؤدي إلى تشكيل شخصيات
من التلاميذ لا يعرفون كيف يتعاملون مع معلميهم.
-
يعمم مواقف وقيم الطبقة المتوسطة, ولا يأخذ بالحسبان فئة المتعلمين المحرومين
الذين لا يستطيعون منافسة زملائهم الأغنياء في الحصول على ملابس وأدوات معينة, كما
إنه قد يعيق دور المنهج الرسمي ويعمل على إفشال توجهاته إذا لم يتم التنسيق
والتكامل بينهما بالمستوى المطلوب.
-
يغرس عند بعض التلاميذ شيئاً من الخنوع والعزلة التي قد تعزى إلى الخوف من الجنس
الآخر إذ ثمة هيمنة ذكورية (Masculinity Hegemony)
تسود المدارس المختلطة أو الخوف من تفوق الطبقة الأعلى, أو الخوف من الاضطهاد (Persecution)
أو السخرية (ridicule)
والإذلال (Humiliation).
-
تزييف وعي التلاميذ وإبراز الصراع بين ما يتضمنه المنهج الرسمي, وما يتعلّمه أو
يراد للتلميذ تعلّمه في الحياة اليومية, فمثلاً التلميذ الذي يتعلّم من خلال
المنهج الرسمي أن التدخين ضار بالصحة ويرى معلماً يدخن ويجاهر بذلك عند خروجه من
المدرسة, يتكون لديه صراع بين ما يجده في المنهج الرسمي وبين الواقع الذي يراه.
-
المنهج الخفي أحياناً يحدد القيود المفروضة على سلوك التلاميذ في الصفوف الدراسية
ومن قِبَل المربين والتي قد تكون عائقا أمام التعلّم.
هذا ويمكن الحد من الآثار السلبية للمنهج الخفي عن طريق:
-
تنمية القيم الدينية والأخلاقية لدى التلاميذ ليشكّل لديهم المعيار الذي على أساسه
يضبط التلميذ سلوكه وتصرفاته ويقبل أو يرفض القيم والأفكار التي يتلقاها من خلال
المنهج, والاختيار السليم يتطلب الإرادة القوية.
-
الوقاية خير من العلاج, ومحاولة إبعاد التلاميذ عن الممارسات التي تؤدي إلى
إكسابهم بعض السلوكيات والقيم أو الأفكار غير المرغوب فيها, وهذا يتطلب الإشراف
والمتابعة من الإداريين والمرشدين النفسيين وغيرهم الذين تثق المدرسة في قدراتهم
وأخلاقهم ونزاهتهم.
-
التركيز أثناء المنهج الرسمي على المستويات العليا والمتقدمة في التعليم من
المعارف والمهارات مثل التحليل والتقييم والحكم على الأشياء, فيستطيع التلميذ عند
تعرضه للمنهج الخفي أن يقيّم الأشياء ويحكم عليها ومن ثم يختار على بصيرة.
-
التركيز عند المربي على مهارات تطوير الذات وبناء الشخصية وتعزيز الثقة بالنفس
وتعوّد النقد واحترام الآخر.
-
إتاحة الفرصة للمربي لحضور الندوات والمشاركة في المؤتمرات العلمية والثقافية
والتربوية.
-
تفعيل أنشطة المدرسة المختلفة باعتبارها أحد مصادر التعلّم.
-
تعزيز السلوكيات الإيجابية وتدعيمها للتقليل من الآثار السلبية للمنهج الخفي والحد
من نتائجه غير المرغوبة.
-
الاستماع لآراء المتعلمين ومناقشتهم فيها.
أن
ضبط المنهج الخفي والحدّ من آثاره السلبية في الناشئة مطلب أساسي في العملية التربوية
حيث أن التعامل الإنساني الأمين مع التلاميذ وتوجيههم دائماً للأفضل فكرياً
واجتماعياً وسلوكياً والاستجابة لمصالحهم ورغباتهم وحاجاتهم من خلال بيئة مدرسية
عصرية بناءة ومناهج ذات صلة وثيقة بالواقع الذي يعيشونه مع توفر معلمين وإداريين
أكفاء إنسانياً ووظيفياً قد تقلل مجتمعة من فاعلية المنهج السلبية وتحد من نتائجه
غير المرغوبة.
التكامل بين المنهج الرسمي والمنهج الخفي :
كلما
كان هناك تطابق بين المنهج الرسمي والمنهج الخفي زاد تكيّف التلاميذ مع المنهج,
وزادت فعالية تعلّم التلاميذ, والمنهج الفعّال هو الذي يقوم على التكامل بين
المنهج الرسمي والمنهج الخفي, ولحدوث هذا التكامل لا بد من الحرص والحذر عند تنفيذ
المنهج الرسمي والحرص على تنفيذه بما يتفق مع قيم المجتمع السليمة, والحذر أن ينفذ
المنهج بشكل متناسق مع قيم وعادات غير سليمة وسائدة.
والمحور
في هذا التكامل هو المنهج والمربي الذي يشكّل الصورة التي يراها التلاميذ كل يوم
لعدد لا بأس به من المواد لأنه ينقل الكثير من القيم للتلميذ دون التصريح بذلك,
فإذا تحدث المعلم عن الصدق وعدم الغش والخداع, ثم لمس التلاميذ منه مرةً واحدةً
أنه يكذب فإن هذه المرة تكفي لحدوث التناقض والحيرة عند التلاميذ مما يؤثر على
تعلّمهم ويشوشهم.
وهكذا
نجد أن العلاقة تلازمية بين المنهجين الرسمي والخفي ما دام هناك حياة مدرسية, وهذا
يقودنا إلى القول: منهج خفي فاعل+ منهج رسمي متقن= تلميذ متميز.
لذلك
فإن التكامل بين المنهجين, والتأكيد على التربية الصحيحة من خلال التربية
المتوازنة يعد شرطاً أساسياً لحدوث التعلّم الفعال, كما إنه من الضروري بلورة سلوك
التدريس والممارسات التربوية البيئية المدرسية والصفيّة, ومحاولة توظيفها لخدمة
الجوانب الإيجابية للمنهج الخفي.
جزاكم الله خير معلومات وافيه ومفيدة كل الشكر
ردحذفشكرا على هذه الوفرة
ردحذف